
المخيم هو القلب النابض للعودة
بقلم الحاج رفعت شناعة
ليس المخيمُ مجرد قطعة أرض نُصبت عليها الخيام، أو بُنيت عليها غُرفٌ من الزنك أو الاترنيت، ومع مرور الزمن وبعد سبعين عاماً من التشرد بدأت تعلو بعض الطوابق مع زيادةِ اكتظاظ اللاجئين الفلسطينيين.
المخيمُ أعظم مما ذكرنا، لأنه هو الذي احتضن شعبنا وأهلنا اللاجئين عندما تشردوا، وفيه أيضاً نشأت الأجيال، وكبرُت، وتعلَّمت، وعلى أرضه امتزجت أحلامُ الماضي، وتطلعاتُ الحاضر، وآمالُ المستقبل، وفي أحضانه تجسَّدت أجملُ وحدةٍ وطنيةٍ واجتماعية.
فهناك أبناءُ القرى، والبلدات، والمدن، والبدو من الجليل والمثلث والنقب، ومن الضفة وغزة، تجمعهم في المخيم الواحد الأهدافُ، والمشاعرُ المشتركة، والتطلعاتُ ذاتُها، وانصهرت العاداتُ والتقاليد، وأصبحَ الهمُّ واحداً، والمعاناةُ هي ذاتُها، وأصبحَ الجارُ القريب تماماً كالأخ البعيد. وهكذا تولَّدت هذه العلاقة الحميمة بين اللاجئ والمخيم الذي هو محطة آنتظار على طريق العودة إلى التراب الفلسطيني المبارك، الذي ضمَّ رفات أجدادنا الذين ينتظرون عودتنا على أحرِّ من الجمر. فهل نَصْدُقُهم القولَ، والفعلَ، والأملَ؟
إنَّ المخيم الفلسطيني الذي إحتضننا، وحمانا من التشرد، وجعلنا أُسرةً واحدةً، وألَّف بين قلوبنا وعقولنا، كونُنا أصحابَ مأساةٍ مستمرة، وأهلَ قضية واحدة. هذا المخيم الذي يضمنا، ويحفظنا شهدَ معنا القصفَ والتدميرَ، والعدوان تلو العدوان، وتمسكنا به، وعشنا في البيوت المدمَّرة بعد أن رمَّمناها، لأنه لا بديل لدينا غيره، ولا مأوى يضمُّنا تحت جناحيه سوى المخيم الذي أصبح جزءاً من تاريخنا، ومن واقعنا.
من هنا ننطلق لنُحاكمَ الواقع الذي نعيشُه، ولنضعَ النقاط على الحروف، وبجرأةٍ واضحة. لقد سَّببَ لنا الاحتلال الصهيوني نكبةً مأساوية منذ سبعين عاماً، وما زلنا نقلع أَشواكها، ولن نيأس لأنَّ أرضنا مباركة ومقدَّسة ونحن حماتُها.
هذا الواقع يفرضُ علينا الالتزام بما يلي:
أولاً: يجب أن يبقى المخيمُ واحةً للوحدة الوطنية، ومصنعاً مُنتِجاً للسلوك الأخلاقي، والتعاون الاجتماعي، والحوار المسؤول لتحقيق الأهداف الوطنية المرجوَّة.
ثانياً: نحن في مخيماتنا ملزمون ببناء مجتمع تحكمه الأخلاق والقيم والمبادئ، لأننا مجتمعٌ تقعُ على عاتقه مسؤولياتٌ كبيرة وخطيرة، فنحن في الخندق الامامي بمواجهة العدو الصهيوني، وغير مسموح جرُّ المخيم كساحة نضالية
إلى الجحيم على أيدي من لا يُقدِّرون المسؤولية.
ثالثاً: المخيم الفلسطيني هو موقع نضالي متقدم، وهو بالتالي مصنع للثوار و للقيادات الوطنية التي تأخذ على عاتقها مواجهة التحديات، وتحمُّل المسؤوليات.
رابعاً: إنَّ من يريدأن يتعرف على الشخصية الفلسطينية الوطنية يطلب زيارة المخيم، والتعرف إلى أهله، وإلى العلاقات الاجتماعية السائدة فيه، لأن المخيم هو العنوان.
خامساً: إنَّ مخيم اللجوء المؤقت هو المستهدف من قبل القوى المعادية لشعبنا، وهي التي تسعى بكل الطرق لتدمير وتفكيك المخيم للانقضاض على حق العودة. فالمخيم المحصَّن والمتماسك، والذي تسوده العلاقات الوطنية والاخوية هو الكفيل بحماية الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة.
سادساً: من أراد أن يسكن في المخيم، وأن يكون جزءاً منه ومن أهله، عليه أن يتمتع بالأخلاقيات والقيم الاجتماعية والثورية، وأن يتجرَّد من كل المساوىء والمثالب، وأن يتطَّهر من كل أشكال الفساد، وهذا إذا كان فلسطينياً في انتمائه، وإلاَّ فليخترْ مكاناً آخر، ولينزعْ عن نفسه الانتماء الفلسطيني، لأن فلسطين مقدَّسة، ومباركة ولا تقبل أن يحمل اسمها مشبوهٌ يريد تدنيسها.
سابعاً: علَّمنا الاسلامُ أننا إذا رأينا مخرِّباً في مجتمعنا أن نأخذ على يده، ونرشده إلى سواء السبيل، وأن لا نتركه وشأنه، وإلاَّ فإنَّ العقاب واجب لحماية المجموع.
ثامناً: في السنوات السابقة كانت كلُمة الأب والعم والخال يتمُّ تنفيذها من قبل الأصغُر سناً، وكان كبيرُ العائلة أو العشيرة كلامُه لا يُرد، وأيضاً كان للمعلم السلطةُ المعنوية على طلابه، واليوم نحزن لأنَّ هذه المرجعيات- مع الاحترام للجميع - فقدت سلطتها، وإن بشكل متفاوت، ولم يعد لها تأثير في عملية المعالجة، فأين نحن ذاهبون؟!!!
تاسعاً: إنَّ أمنَ الأهالي في مخيماتنا أمانةٌ في أعناقنا جميعاً، وهؤلاء الأهالي من آباء، وأمهات، وأطفال و عَجَزَة من حقهم أن يناموا مطمئنين، ولأنهم هم من قدَّموا الشهداء والجرحى عندما كانت الظروف صعبة وساخنة.
عاشراً: إنَّ ظاهرة إطلاق النار في الليل والنهار داخل المخيمات هو عملٌ مشبوهٌ لأنه يهدف إلى زعزعة الامن والاستقرار.
كما أنَّ إطلاق النار عشوائياً ليس له علاقة بالرجولة أو الشجاعة، وانما هو وسيلة لتخريب المخيم وأمنه، وهي استفزاز لمن تمَّ تكليفهم بحماية أمن واستقرار المخيم، ومحاولة فتح أبواب الصراع الداخلي.
إن التسمك بالمخيم، والحفاظ على أهله، وعلى وجوده طالما فلسطين مغتصبة هي مهمةُ كل الوطنيين والحريصين على كرامة شعبنا. وعلى الجميع أن يفهم بأن من يصرُّ على تخريب الأمن الجماهيري، انما يلبي الرغبة الاسرائيلية ينسف كل عوامل قوة الصمود الفلسطيني بوجه المؤامرة التي تستهدف إجهاض حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي أٌخرجوا منها.
على الذين يجهلون القيمة الوطنية والسياسية والاجتماعية للمخيم، أن يتذكروا الرموزَ التي عاشت في المخيم ودافعت عنهُ، واستشهدت من أجل كرامة شعبهم، واستمرار كفاحهم على طريق الحرية والاستقلال.
Post a Comment