الاجتياح الاسرائيلي 1978: تقرير من اعداد وزارة الدفاع السورية
اجتياح الجنوب اللبناني عام 1978م وإنشاء الشريط الحدودي
في يوم السبت 11 آذار 1978، قامت مجموعة فدائية فلسطينية يقدر عددها بأحد عشر مقاتلاً بالنزول على شاطئ فلسطين المحتلة في منطقة ناتانيا، وكان الهدف من نزولها الضغط على العدو لتحرير أسرى موقوفين لدى الجانب الإسرائيلي. وقد تمكنت المجموعة من السيطرة على سيارتي (أوتوبيس) إسرائيليتين وأخذتهما بركابهما رهائن في سبيل تحقيق الأهداف المطلوبة. لم تذعن السلطات الإسرائيلية لمطالب الفدائيين، وقامت بتنفيذ هجوم مفاجئ ضدهم. أدى إلى استشهاد /9/ فدائيين وأسر /2/ آخرين ومقتل /33/ شخصاً إسرائيلياً وجرح /78/ آخرين.
كانت هذه الحادثة هي الذريعة الإسرائيلية المنتظرة والتي يمكن أن تعطي تبريراً للاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني.
وفي الساعة الواحدة من صباح الأربعاء 15آذار 1978 بدأ العدو بقصف مدفعي شديد لقواعد الفدائيين الفلسطينيين في منطقة بنت جبيل، ومارون الراس، ويارون، والطيبة، والخيام، وراشيا الفخار. وهي قرى تقع كلها قرب الحدود اللبنانية - الفلسطينية. وفي الساعة الثانية أخذت قوات العدو تتقدم بحذر على الاتجاهات:
• المطلة - مرجعيون والخيام وإبل السقي.
• العديسة- الطيبة - رب الثلاثين - مركبة مارون الراس.
• براعم -يارون- بنت جبيل.
• قطمون-رميش عين إبل.
• يعرين - جبين - شمعة - طير حرفا .
• رأس الناقورة - رأس البياضة.
وقام الطيران الإسرائيلي منذ الساعات الأولى في دعم الأعمال القتالية البرية بطلعات استطلاع وإنارة وقصف. كذلك قامت السفن الحربية الإسرائيلية، منذ بدء الأعمال القتالية، بقصف ميناء صور، ومخيم الرشيدية الفلسطيني «جنوب صور»، وأنزلت جواً قوة من المشاة تقدر بحوالي سرية معززة، في منطقة العزية، جنوب مدينة صور بحوالي 10 كم.
وقد تلقت القوات الإسرائيلية الترحيب والدعم من قبل الميليشيات اليمينية، وأعوانها الموجودين في قطاعات الهجوم، حيث كانت تستخدم هذه القوى من قبل الإسرائيليين من أجل الدلالة على الأهداف الفلسطينية، ومن أجل حراسة المناطق التي تجتازها القوات الإسرائيلية، وكذلك من أجل القيام بأعمال تخريبية على طريق إمداد وإخلاء القوات الفلسطينية في الجنوب اللبناني.
وقد لاقى تقدم الوحدات الإسرائيلية مقاومة عنيفة جداً من قبل رجال الثورة الفلسطينية. وبسبب الطابع القتالي الخاص الذي كان يتبعه رجال الثورة الفلسطينية. فإن القوات الإسرائيلية كانت تتقدم بمنتهى البطء والحذر، لأن السرعة كانت تعني زيادة عدد الإصابات في صفوفها.
وفي الساعة العاشرة من يوم 15 آذار، أي بعد مرور تسع ساعات على العملية الهجومية الإسرائيلية أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي «موردخاي غور» للمراسلين في تل أبيب، أن معظم الأهداف المطلوبة قد تم احتلالها، ويجري الآن تطهير بعض الأماكن، وأنه بعد ذلك ستقوم قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بربط جميع الجيوب المحتلة في شريط أمني يمتد إلى عمق 7 - 10 كم على طول الحدود. وإن هذه العملية ستنتهي خلال عدة ساعات، لكن القتال، حالياً مازال مستمراً بسبب وجود بعض أوكار (المخربين(.
كما قام الطيران المعادي، في الساعة 14 بقصف قاعدة للفدائيين الفلسطينيين بالقرب من بلدة الدامور، حيث ادعى الإسرائيليون أن الفدائيين، الذين اشتركوا في «عملية الشهيد كمال عدوان» قد تدربوا فيها.
وقد قام الطيران الإسرائيلي في الساعة 14.10 لمدة 15 دقيقة بقصف الأوزاعي وبرج البراجنة من ضواحي بيروت بالقنابل، الأمر الذي أدى إلى إغلاق مطار بيروت وإصابة منطقة الأوزاعي بتدمير كبير.
وفي الساعة 15.00، قامت مجموعات مؤلفة من ثماني طائرات من نوع فانتوم بقصف مخيم صبرا جنوب بيروت، وقد استطاع الفدائيون، على الرغم من كل الهجمات البرية والجوية الصهيونية أن يعاودوا قصف المستعمرات الشمالية الإسرائيلية بصواريخ الكاتيوشا، مما أحدث بعض الأضرار في مستعمرة كريات شمونة )بلدة الخالصة(.
وأكد رئيس الأركان الإسرائيلي مرة أخرى في الساعة 17.00، أن العمليات الرئيسية التي كلّف بها جيش الدفاع الإسرائيلي في الجنوب اللبناني قد انتهت. كما صرح ناطق عسكري آخر بأن القوات الإسرائيلية قد تمكنت من الوصول إلى جميع أهدافها عند حلول الظلام. وقال إن عمليات تطهير أماكن الفدائيين سوف تستمر طيلة الليل، وأن المسيحيين اللبنانيين «ويقصد الميليشيات اليمينية» قد حاربوا سويّة مع القوات الإسرائيلية في بعض العمليات.
كذلك صرّح بيغن رئيس الوزراء الصهيوني، في مؤتمر عقده في القدس، بأن الجيش الإسرائيلي قد أتمّ تنفيذ مهمته في جبهة مساحتها 100 كم مربع، وأنه يتوقع أن تحقق تسوية بشكل لا يعود الفدائيون لمهاجمة إسرائيل ومواطنيها من هذه المنطقة، وأن القوات ستبقى حتى تتم هذه التسوية وأضاف أنه لايعتبر هذه العملية عملية انتقامية بسبب حادث يوم السبت الماضي «11 آذار» وأن إسرائيل استخدمت حقها في الدفاع عن النفس.
كما أعلن كسنجر أن عملية الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان من أجل ضرب قواعد الفدائيين كانت عملاً لا مفر منه. وقال إنّ هناك سببين أساسيين لهذه العملية أولهما، ضرورة التصدي للإرهاب والثاني أن الاعتداءات أتت من جنوب لبنان. وطلب استبدال القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان بقوى من الجيش اللبناني النظامي.
وكعادة الإسرائيليين بإعلانهم عن خسائر بشرية ومادية مخففة، فقد أعلنوا أن عدد الإصابات في اليوم الأول من القتال كان فقط مقتل 11 جندياً وجرح 57، وسردوا لائحة بأسماء القتلى. تابع العدو في اليوم الثاني من العملية (16آذار)، على الرغم من إعلانه انتهاء الأعمال القتالية، التقدم تحت تغطية نيران الطيران والمدفعية.
واستطاع، في الساعة العاشرة من يوم 16 آذار، احتلال بلدة راشيا الفخار، وتابع قصف مدينة النبطية، كفر تبنيت - كفر مان -الجرمق- كوكبا - قنطرة - وطريق صور ومخيم الرشيدية.
وقد رحب العميل الخائن الرائد سعد حداد في مؤتمر صحفي في المطلّة بعملية الجيش الإسرائيلي واتهم سورية بتحريض الفدائيين على القيام بأعمال ضد الكيان الإسرائيلي.
وأعلنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن مجموع خسائرها حتى ذلك الوقت قد بلغ 39 شهيداً وجريحاً في صفوفها و 150 قتيلاً وجريحاً من المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين، في حين فقد الإسرائيليون حوالي 350 جندياً بين قتيل وجريح، بالإضافة لبعض الأسرى . بينما كررت إسرائيل بأن خسائرها قد بلغت فقط 11قتيلاً و57 جريحاً.
واعتباراً من صباح يوم الجمعة 17 آذار بدأ النشاط السياسي الدولي يدب لإيقاف القتال، فاقترحت بريطانيا وضع قوة سلام تابعة للأمم المتحدة، وطلبت الولايات المتحدة انسحاب القوات الإسرائيلية فوراً من لبنان وطلب ياسر عرفات من السادات تدخل الولايات المتحدة لوقف القتال وأعلنت إسرائيل أنها ستوافق على تواجد قوات الأمم المتحدة في لبنان وأنه بعد تواجد هذه القوى ستسحب قواتها من هذه المنطقة.
أعلن الصليب الأحمر الدولي أن خسائر الفدائيين خلال اليومين الماضيين قد بلغت 600 منهم 350 قتيلاً وقد التجأ أكثر من مائة ألف لبناني وفلسطيني مدني إلى المعابد والمدارس . وأعلن الجنرال غور رئيس الأركان الإسرائيلي، أن المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل هي منطقة ضيقة لا تتجاوز الـ 10 كيلومترات في حين أن مدى مدفعية الفدائيين هو أكثر من 30 كيلومتراً وأنه ليس أمام الجيش الإسرائيلي سوى الاستمرار في التوغل إلى ما وراء خط الأمان المحدد.
وبقي العدو لليوم الثالث على التوالي ينفذ قصفه الجوي والبري والبحري على مناطق تواجد الفدائيين في العرقوب ومعابر الليطاني من أجل عرقلة إمداد الفدائيين وتكبيدهم أكبر ما يمكن من الخسائر . كما تمكن العدو من السيطرة على منطقة تبعد 6 - 12 كيلومتراً من الحدود الدولية، حيث تحدد ذلك بالخط: الهبارية–الفريديس - خان السوق - جبل زهير- القليعة - دير السريان– القنطرة - مشارف تبنين– كفره– الحنية - تخوم مزرعة جل البحر - رأس البياضة. وتابعت قواته التقدم البطيء الحذر بحثاً عن أعشاش المقاومة الفلسطينية.
استمر القتال صباح يوم السبت 18 آذار في جنوب لبنان، وكانت الخسائر البشرية والمادية كبيرة لدى الجانب الإسرائيلي، بحيث اضطر الجنرال غور، رئيس الأركان الإسرائيلي، لأن يصرّح بأن نصف خسائر إسرائيل كانت نتيجة اصطدامها بحقول ألغام غير معروفة.
وقد هدد رئيس الأركان الإسرائيلي، بأنه إذا استمرت شدة المقاومة الفلسطينية فإنه سيأمر قواته بمتابعة التوغل نحو الشمال. وقال بأن الحزام الأمني سوف يمتد لمسافة 10كم، داخل الأراضي اللبنانية، فقط، من أجل عدم استفزاز سورية، وأنه يتمنى أن لاتحصل اشتباكات مع الجانب السوري.
بعد ظهر هذا اليوم هدد الرئيس حافظ الأسد، بتدخل سوري في حال عدم توقف الهجوم الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، وقال: إن العالم يتوقع ولا شك، بأنه لابد أن تزداد مقاومة الاحتلال حجماً، إذا لم يتوقف العدوان على لبنان والمقاومة الفلسطينية، وإذا لم تنسحب القوات الإسرائيلية عن هذه الدولة.
تابع العدو منذ صباح الأحد 19 آذار، أعماله العدوانية، مركزاً جهوده الأساسية باتجاه صور لاستكمال احتلال المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني. وقد تمّ التقدم على المحاور التالية:
• محور الطيبة - قنطرة الغندورية- دير قانون النهر - برج رحال.
• محور السلطانية - طير زينا - جويا -البازورية.
• مدور صديقين - قنا - عين بعل.
• محور مزرعة جل البحر - رأس العين - الرشيدية.
• محور دير ميماس- جسر الخردلي.
وكان يستخدم على كل محور من هذه المحاور قوة تعادل لواء من المشاة الميكانيكية أو لواءً مدرعاً بالإضافة لاستخدام قوات من المغاوير. وهكذا استطاعت قوات العدو حتى نهاية اليوم تطويق مدينة صور من الجنوب والشرق، وبالسفن الحربية من الغرب، وبقي الطريق الشمالي مفتوحاً إلى صيدا بيد القوات الفلسطينية.
اعتباراً من الساعة 5.40 من يوم الاثنين 20 آذار واصلت قوات العدو تمشيط المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني وشرقي صور، وتابعت المدفعية المعادية تبادل إطلاق النيران مع المدفعية الفلسطينية في منطقة العرقوب في حين قام الطيران المعادي بمجموعات مؤلفة من 2-8 طائرات باستطلاع المحاور، وقصف مدينة صور ومخيم الرشيدية ومواقع الفدائيين في قلية، والدلاقي «في منطقة العرقوب».
وهكذا انتهى الاجتياح الصهيوني للجنوب اللبناني في 20 آذار، وبقيت القوات الصهيونية تمشط المنطقة المحتلة وتوقف كل شخص تعاون مع المنظمة أو تشتبه فيه.
سمات الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني في آذار 1978:
1ـ بلغ إجمالي الجهد الجوي المستخدم خلال هذه العملية حوالي 800 - 900 طلعة جوية.
2ـ سيطرت الزوارق الحربية الإسرائيلية على المنطقة المائية الممتدة من نهاريا حتى شمالي صور، واشتركت في قصف الأهداف المدنية والفلسطينية الساحلية.
3ـ حققت العملية العدوانية الإسرائيلية ضد القطر اللبناني جزءاً من الأهداف الموضوعة من الجهة الأمنية، وهي الخلاص من قوات المقاومة في منطقة جنوب نهر الليطاني، بصورة مؤقتة ووجهت ضربة للقوى الوطنية المتعاونة والمتعاطفة مع قوى الثورة الفلسطينية، وزادت في عمق النطاق الأمني داخل الأراضي اللبنانية.
4ـ نفذت القوات الإسرائيلية عملياتها في الجنوب اللبناني بحذر وبطء شديدين للإقلال من الخسائر قدر الإمكان، وتجنب الاشتباك مع القوات العربية السورية العاملة ضمن قوات الردع العربية.
ولندرك مدى فشل الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني فيما يتعلق بالقضاء على بنية الثورة الفلسطينية، يمكن أن نقرأ ما كتبه أحد المعلقين الصحفيين الإسرائيليين، وهو «يوري أفنيري» حيث نشر ذلك في مجلة «هاعولامهازيه» العدد 2117 تاريخ 29 آذار، تحت عنوان «حرب الليطاني»:
«يستطيع جيش الدفاع أن يتقدم إلى الشمال والشرق والجنوب، وبإمكانه أن يدفع الفلسطينيين أمامه من بلد إلى آخر، ولكنه لن يحل بهذه الطريقة مشكلتهم. إن نصف الشعب الفلسطيني قد دُفع إلى خارج البلد، الذي كان يسمى فلسطين . وإن مخيمات اللاجئين هي التي أنجبت الفدائيين. لقد بدأت حرب الاستقلال بالاصطدام بين السكان اليهود والسكان الفلسطينيين، كما أن حرب سيناء نشبت على أساس الحكاية الرسمية التي تقول بضرورة القضاء على أوكار الفدائيين. ونشبت حرب الأيام الستة بسبب العمليات الفدائية من الأراضي السورية والتهديد بالرد الإسرائيلي..
وقد نشبت حرب يوم الغفران في أعقاب عدم إعادة المناطق التي احتلت في الحرب السابقة، وأخيراً نشبت حرب الليطاني كرد مباشر على عملية فلسطينية فدائية، ومع ذلك، فلم تستطع أي حرب من هذه الحروب القضاء على القضية بل العكس هو الصحيح..
إن النشاط الفدائي، الذي يضفي ظله منذ سنوات طويلة على دولة إسرائيل ناجم عن الواقع الفلسطيني، وليكن رأي أي إنسان ما يكون حول المسألة الفلسطينية، إلا أن الغبي أو الأعمى، عديم المبدأ، هو الذي يتجاهل الحقائق..
وإذا ما طُرد الفدائيون من منطقة فسوف يظهرون في منطقة أخرى.. وإذا لم يعد بإمكانهم تحقيق هدف ما، فإنهم سيصلون إلى هدف آخر وإذا مازالت زعامة ما منهم، فإنهم سيخلقون زعامات أخرى .. وهذه أمور أولية مفهومة، وقد أثبتها التاريخ مرات كثيرة».
Post a Comment